Admin المدير
المهنة : البلد : الابراج : عدد المساهمات : 464 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/11/2010 العمر : 32
| موضوع: إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين الثلاثاء يناير 11, 2011 10:13 am | |
| إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين الشيخ رضا بوشامة
إن مما يؤسَف له ما آلت إليه الأوضاع في عاصمة الجزائر وبعض المدن من خروج شباب طائش وأصحاب عقول ضعيفة متظاهرين ومنددين بارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، فخربوا ودمروا وعاثوا في الأرض فسادا، وإنَّ منهم لفريقا استغلوا هذه الأمور لارتكاب جرائمهم من النهب والسرقة، فارتكبوا بذلك اعتداءات كثيرة على الممتلكات العامة والخاصة، وفوتوا على الناس في تلك الليالي مصالحهم الدينية والدنيوية، فزرعوا الرعب في قلوب الآمنين، وأخافوا من كان من السائرين في تلك الأحياء التي وقعت فيها أعمال الشغب والفساد.
وكل ما وقع من ذلك وغيره كان من تسويل الشيطان، ومن الجهل بطرق التغيير، ولا يرضاه ذو عقل سليم ومنهج قويم، وهو مخالف لأمر الله وشرعه من النهي عن الإفساد في الأرض، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد﴾ [البقرة:205]، وقال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾ [القصص:77]، بل إن الإفساد في الأرض من أعمال اليهود أعداء الله، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾ [المائدة:64].
فالله تعالى نهى عن الفساد، وكلُّ من قام بهذه الأعمال داخل في هذه الآيات والله لا يحب ولا يُصلح عمل المفسدين.
ولو كان هؤلاء الخارجون خرجوا غيرة على الدين مطالبين بحقوق المسلمين لما جاز لهم ذلك، فكيف بهم إذا أفسدوا من أجل ملء بطونهم؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «معلوم أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أُمرنا به؛ ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف [بالمعروف] ونهيك عن المنكر غيرَ منكر.
وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبَّات، فالواجبات والمستحبات لا بدَّ أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بُعثت الرسل ونزَلت الكتب، والله لا يحب الفساد؛ بل كلُّ ما أمر الله به فهو صلاح.
وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذَمَّ الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدةُ الأمر والنهي أعظمَ من مصلحته لم تكن مما أمرَ الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفُعل محرم؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هُداهم، وهذا من معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105]، والاهتداء إنَّما يتِمُّ بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضرَّه ضلالُ الضُّلاَّل، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد.
فأمَّا القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرَر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وذلك أدنى ـ أو ـ أضعف الإيمان، وقال: ليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل»([1]).
وقال أيضا: «جماع ذلك داخل في القاعدة العامة: فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات أو تزاحمت؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد.
فإنَّ الأمرَ والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثرَ لم يكن مأمورا به؛ بل يكون محرَّماً إذا كانت مفسدُته أكثرَ من مصلحته؛ لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسانُ على اتِّباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تُعوِزَ النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام.
وعلى هذا إذا كان الشخصُ أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرِّقون بينهما؛ بل إما أن يفعلوهما جميعا؛ أو يتركوها جميعاً: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر؛ بل ينظر: فإن كان المعروف أكثر أُمر به؛ وإن استلزم ما هو دونه من المنكر. ولم يُنه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصدِّ عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب نُهي عنه؛ وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله.
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما.
فتارة يصلح الأمر؛ وتارة يصلح النهي؛ وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين؛ وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيُؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقاً، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يُؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويُحمد محمودها، ويُذَمُّ مذمومها؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه.
وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق؛ فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونيَّة؛ وإذا تركها كان عاصيا، فترك الأمر الواجب معصية؛ وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية. وهذا باب واسع...»([2]).
ثم ذكر أمثلة من سنته صلى الله عليه وسلم حيث ترك تغيير بعض المنكر لاستلزام وجود منكر أعظم منه.
وقال ابن القيم: «إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروفِ ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضُه ويمقتُ أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنَّه أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم، فقال:«لا ما أقاموا الصلاة»، وقال: «مَن رأى من أميره ما يَكرهُه فليصبر ولا ينْزِعنَّ يداً من طاعة»، ومَن تأمَّل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله r يرى بمكة أكبرَ المنكرات ولا يستطيع تغييرَها، بل لما فتح الله مكةَ وصارت دار إسلام عزَم على تغيير البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنَعَه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه: من عدم احتمال قريش لذلك لقُرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثِي عهدٍ بكُفرٍ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء ...»([3]).
وليعلم هؤلاء ومَن كان على شاكلتهم ورضي أعمالهم أن الزيادة في السلع ابتلاء من الله الرزاق ذي القوة المتين، وكلُّ ما يقع لهذه الأمة من الفتن والمصائب والإحن إنَّما هو بسبب الذنوب والمعاصي التي ينغمس فيها الكثير ممن يشتكي الفقر والحرمان، ولم يسلط الله علينا هذه الفتن المصائب إلاَّ لفَسادِ أَعمالِنا، والجَزاءُ مِن جِنس العمَل، وهذه سنة الله في خلقه، قالَ تَعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾ [الشورى:30]، وقالَ تَعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:165]، وقالَ تَعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون﴾ [النحل:112].
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ولَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ» الحديث، أخرجَه ابنُ ماجَه (4019) وصحَّحه العلامة الألبانيُّ.
فمن وقف عند هذه الآيات المنزلة من عند الملك العلام الخبير المتعال علم علم اليقين أنَّ الرزق بيده سبحانه، ومن أراد انخفاض الأسعار فما عليه إلا بالاستغفار، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأعراف:96]، وقال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[نوح:10 ـ 12].
كيف يرجو الرزق من كان منغمسا في ألوان المعاصي والرذائل، بدءا بالشرك الذي ضرب أطنابه، والبدع التي يفتخر بها الجم الغفير من الناس، بل صارت مدعَّمة من الحكومات والأفراد والجماعات، ناهيك عن الكبائر التي تُقترف جهارا نهارا، ومن قرأ الجرائد وزار المحاكم عرف تنوع وكثرة الجرائم، بل لا يكاد يسلم أحد ـ إلا من رحم الله ـ من ارتكاب ما حرم الله، نسأل الله العافية والسلامة، ولا يمكن سرد تفاصيل ما يقع في مجتمعنا فالعاقل يُدرك بُعدنا عن الله وعن دينه، فكيف نُرجوا كثرة الخيرات؟! ولولا أن الله يعفو عن كثير لما سقى منا أحدا شربة ماء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا [الموضع] أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُم)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ، ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».
وما أحسن كلام تلميذه ابن القيم الذي نختم به هذه الكلمة عسى الله أن ينفع قارئها إذ يقول في كتابه «مفتاح دار السَّعادة» (1/253) وكأنه يتحدَّث عن زماننا وأبناء جنسنا: «وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ([4])، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.
خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».
نسأل الله بمنه وكرمه وإحسانه أن يحفظ على هذه الأمة أمنها واستقرارها، وأن يردها إلى دينها ردا جميلا، ويدفع عنها الفتن والإحن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
([1]) مجموع الفتاوى (28/126).
([2]) مجموع الفتاوى (28/129 ـ 130).
([3]) إعلام الموقعين (4/338 ـ 339).
([4]) من الشَّوب، وهو الخَلطُ.
المصدر
| |
|